القائمة الرئيسية

الصفحات

شرح سورة المجادلة من الأية ٧-١١

                    بسم الله الرحمن الرحيم

ألم تر أن الله يعلم مافي السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم * ألم تر إلى الذين نُهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير * يا أيها الذين أمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون * إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون * يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير .


تفسير الأيات :

( ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ) أي : أن عمله محيط بما فيهما ؛ بحيث لا يخفى عليه شيء مما فيهما ( ما يكون من نجوى ثلاثة ) ما يوجد من تناجي رجال ثلاثة ( إلا هو رابعهم )  في الاطلاع على تلك النجوى ( ولا خمسة إلا هو سادسهم ) لأنه سبحانه مع كل عدد ؛ قلّ أو كثر ؛ يعلم السر والجهر ؛ لا تخفى عليه خافية ( ولا أدنى من ذلك ولا أكثر ) أي : ولا أقل من العدد المذكور ؛ كالواحد والاثنين ؛ ولا أكثر منه ؛ كالستة والسبعة ( إلا هو معهم ) يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شيء ( أين ما كانوا ) في أي مكان من الأمكنة ( ثم ينبئهم ) أي : يخبرهم ( بما عملوا يوم القيامة ) أي : ليعملوا أن نجواهم لم تكن عليه خافية ؛ وليكون إعلامه لمن يتناجون بالسوء توبيخاً لهم وتبكيتاً وإلزاماً للحجة 

- ( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ) كان اليهود إذا مر بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظنّ المؤمن شراً ؛ فنهاهم الله فلم ينتهوا ؛ فنزلت : ( ويتناجون بالإثم ) أي: بغيبة المؤمن وأذاهم ونحو ذلك ؛ كالكذب والظلم ( والعدوان) ما يكون فيه  عدوان على المؤمنين  ( ومعصية الرسول ) مخالفته ( وإذا جآءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) المراد بها : اليهود ؛ كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون : السام عليك ؛ يريدون السلام ظاهراً؛ وهم يعنون الموت باطناً ؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وعليكم " ( ويقولون في أنفسهم ) أي : فيما بينهم ( لولا يعذبنا الله بما نقول ) يقولون : لو كان محمد نبياً لعذبنا الله بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به ؛ وقيل : المعنى  لو كان نبياً لاستجيب له فينا ؛ حيث يقول: عليكم ؛ ولوقع علينا الموت عند ذلك ( حسبهم جهنم ) أي : يكفيهم عذابها عن الموت الحاضر ( يصلونها ) يدخلونها ( فبئس المصير ) المرجع ؛ وهو جهنم .


- ( يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) كما يفعله اليهود والمنافقون ( وتناجوا بالبر والتقوى) أي: بالطاعة وترك المعصية ( واتقوا الله الذي إليه تحشرون ) فيجزيكم بأعمالكم .


- ( إنما النجوى ) يعني : بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ( من الشيطان ) لا من غيره ؛ أي : من تزيينه وتسويله ( ليحزن الذين ءامنوا ) أي : لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكيدون بها ( وليس بضآرهم شيئاً ) أي : وليس الشيطان ؛ أو التناجي الذي يزينه الشيطان ؛ بضار المؤمنين شيئاً من الضرر ( إلا بإذن الله ) أي بمشيئته ( وعلى الله فليتوكل المؤمنين )أي يكلون أمرهم إليه ؛ ويفوّضونه في جميع شؤونه ؛ ويستعيذون بالله من الشيطان ؛ ولا يبالون بما يزينه من النجوى ؛ أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ؛ فإن ذلك يحزنه ) .


- يا أيها الذين ءامنوا إذا قيل لكن تفسحوا في المجالس) أمرهم الله سبحانه بحسن الأدب بعضهم مع بعض بالتوسعة في المجالس وعدم التضايق فيه ؛ قال قتادة ومجاهد : كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فأُمروا أن يفسح بعضهم لبعض ( فافسحوا يفسح الله لكم ) أي : فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة ؛ وهي عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر ؛ سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو خطبة الجمعة ؛ وكل واحد أحقّ بمكانه الذي سبق إليه ؛ ولكن يوسع لأخيه ؛ قال صلى الله عليه وسلم : لا يُقمِ الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه ؛ ولكن تفسحوا وتوسعوا ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) أي : إذا طلب من بعض الجالسين في المجلس أن ينهضوا من أماكنهم ليجلس فيها أهل الفضل في الدين ؛ وأهل العلم بالله فليقوموا ( يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات ) أي : يرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الأخرة ؛ فمن جمع الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ؛ ثم رفعه بعلمه درجات ؛ ومن جملة ذلك رفعه في المجالس .

                                       والله ولي التوفيق 

تعليقات