القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة هارون الرشيد مع سفيان الثوري ... قصة رائعة

           بسم الله الرحمن الرحيم   

لما ولي هارون الرشيد الخلافة زاره العلماء فهنوه بما صار إليه من أمر الخلافة ؛ ففتح بيوت الأموال و اخذ يجيز الجوائز ؛ و كان قبل ذلك يجالس العلماء و الزهاد و يظهر النسك و التقشف ؛ و كان مؤاخيا لسفيان الثوري قديماً فهجره سفيان و لم يزره ؛ فاشتاق هارون لرؤيته  و الخلو به فلم يزره و لم يعبأ بموضعه ؛ فاشتد ذلك على هارون فكتب اليه كتابا يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبدالله هارون الرشيد الى أمير المؤمنين الى اخيه سفيان بن سعيد بن المنذر أما بعد ..يا اخي قد علمت ان الله تبارك و تعالى واخى بين المسلمين و جعل ذلك فيه و له ؛ و اعلم اني قد واخيتك مؤاخاة لم اصرم بها حبلك و لم اقطع منها ودك  و اني منطو لك على افضل المحبة و الارادة و لولا هذه القلادة التي قلدنيها الله لأتيتك و لو حبوا لما اجد لك من الحبة في قلبي ؛ و اعلم يا ابا عبدالله انه ما بقي احد من اخواني و اخوانك الا و قد زارني و هنأني بما صرت اليه و قد فتحت بيوت الأموال و اعطيتهم الجوائز ما فرحت به نفسي و قرت به عيني و اني استبطأتك فلم تأتيني و قد كتبت اليك كتابا شوقاً مني اليك شديدا و قد علمت يا ابا عبدالله ما جاء في فضل المؤمن و زيارته و مواصلته ؛ فإذا ورد اليك كتابي فالعجل العجل فلما كتب الكتاب الفت الى من عنده فإذا كلهم يعرفون سفيان و خشونته فقال علي برجل من الباب فأدخل عليه رجل يقال له عباد الطالقاني فقال يا عباد خذ كتابي هذا و انطلق به الى الكوفة فإذا دخلتها فسل عن قبيلة بني ثور ثم سل عن سفيان الثوري فإذا رأيته فألق كتابي اليه و بسمعك و قلبك جميع ما يقول فأحص عليه دقيق امره لتخبرني ؛ فأخذ الكتاب و انطلق فلما وصل الكوفة سأل عن القبيلة فأرشد اليها ثم سأل عن سفيان فقيل له هو بالمسجد ؛ قال عباد فأدخلت المسجد فلما رآني قام قائما و قال : اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم و اعوذ بك اللهم من طارق يطرق إلا بخير ؛ قال عباد فوقعت الكلمة في قلبي فجرحت فلما رآني نزلت بباب المسجد قام يصلي و لم يكن وقت صلاة فربطت فرسي باب المسجد و دخلت فإذا جلساؤه قعود قد نكسوا رؤوسهم كأنهم لصوص قد ورد عليهم السلطان فهم خائفون من عقوبته فسلمت فما رفع الي احد رأسه و ردوا السلام برؤوس الاصابع فبقيت واقفا فما منهم احد يعرض علي الجلوس و قد علاني من هيبتهم الرعدة ؛ و مددت عيني اليهم فقلت المصلي سفيان فرميت اليه الكتاب فلما رأى الكتاب ارتعد و تباعد عنه كأنه حية عرضت له في محرابه فركع و سجد و سلم فأدخل يده في كمه و لفها بعباءة و اخذه فقلبه ثم رماه الى من خلفه و قال يأخذه بعضكم يقرؤه فإني استغفر الله ان امس شيئا مسه ظالم بيده و اخذه بعضهم فحله و قرأه و أقبل سفيان يتبسم تبسم المتعجب فلما فرغ من قراءته قال اقلبوه و اكتبوا للظالم في ظهر كتابه ؛ فقيل له يا ابا عبدالله انه الخليفة فلو كتبت اليه بقرطاس نقي فقال اكتبوا الى الظالم في ظهر كتابه فإن كان اكتسبته من حلال فسوف يجزى به و ان اكتسبه من حرام فسوف يصلى به و لا يبقى شيء مسه ظالم عندنا فيفسد علينا ديننا ؛ فقالوا ما نكتب ؛ فقال اكتبوا : بسم الله الرحمن الرحيم من العبد المذنب سفيان بن سعيد بن المنذر الى العبد المغرور بالآمال هارون الرشيد الذي سلب حلاوة الايمان ؛ اما بعد فإني قد كتبت اليك اعرفك اني صرمت عنك و قطعت ودك و قلبت موضعك فإنك قد جعلتني شاهدا عليك بإقرارك على نفسك في كتابك بما هجمت به على بيت مال المسلمين فانفقته في غير حقه و أنفذته في غير حكمه ثم لم ترض بما فعلته و انت ناء عني حتى كتبت الي تشهدني على نفسك اما اني قد شهدت عليك انا و اخواني الذين شهدوا قراءة كتابك و سنؤدي الشهادة غدا بين يدي الله تعالى ؛ يا هارون هجمت على بيت مال المسلمين بغير رضاهم فهل رضي بعملك المؤلفة قلوبهم و العاملون عليها في ارض الله تعالى و المجاهدون في سبيل الله و ابن السبيل ام هل رضي الأرامل و اليتامى و حملة القرآن و أهل العلم ام هل رضي بذلك خلق من رعيتك فشد يا هارون مئزرك و أعدَّ للمسألة جوابا و للبلايا جلبابا ؛ و اعلم انك ستقف بين يدي الحكم العدل ؛ فقد رزئت في نفسك اذ سلبت حلاوة العلم و الزهد و لذيذ القرآن و مجالسة الاخيار و رضيت لنفسك ان تكون ظالما و للظالمين اماما يا هارون قعدت على السرير و لبست الحرير و اسبلت سترا دون بابك و شبهت بالحجبة برب العالمين ثم اقعدت اجنادك الظلمة دون بابك و سترك يظلمون الناس ولا ينصفون و يشربون الخمر و يضربون من يشربها و يزنون و يحدون الزاني و يسرقون و يقطعون السارق افلا كانت هذه الاحكام عليك و عليهم قبل ان تحكم بها على الناس ؛ فكيف بك يا هارون اذا نادي المنادي من قبل الله تعالى احشروا الذين ظلموا و ازواجهم اي الظلمة و اعوان الظلمة فقدمت بين يدي الله تعالى و يداك مغلولتان الى عنقك لا يفكهما الا عدلك و انصافك و الظالمون حولك و انت لهم سابق و امام الى النار ؛ كأني بك يا هارون و قد اخذت بضيق الخناق و وردت المساق و انت ترى حسناتك في ميزان غيرك و سيئاتك بلاء على بلاء و ظلمة فوق ظلمة فاحتفظ بوصيتي و اتعظ بموعظتي التي وعظتك بها و اعلم اني قد نصتحك و ما ابقيت لك في النصح غاية فاتق الله يا هارون في رعيتك و احفظ محمدا صلى الله عليه و سلم في امته و احسن الخلافة عليه و اعلم ان هذا الامر لو بقي لغيرك لم يصل اليك و هو صائر الى غيرك و كذا الدنيا تفعل بأهلها واحدا بعد واحد فمنهم من تزود زاردا نفعه و منهم من خسر دنياه و اخرته و اني احسبك يا هارون ممن خسر دنياه و اخرته فإياك اياك ان تكتب لي كتابا بعد هذا فلن اجيبك عنه و السلام .

فقال عباد : فألقى الي الكتاب منشور غير مطوي ولا مختوم فأخذته و اقبلت الى سوق الكوفة و قد وقعت الموعظة من قلبي فناديت يا اهل الكوفة فأجابوني ؛ فقلت يا قوم من يشتري رجلا هرب من الله الى الله فأقبلوا الي بالدنانير و الدراهم فقلت لا حاجة لي بالمال و لكن جبة صوف خشنة و عباءة قطوانية ؛ قال فأتيت بذلك و تركت ما كان علي من اللباس الذي كنت البسه مع امير المؤمنين و اقبلت اقود البرذون و عليه السلاح الذي كنت احمله حتى اتيت باب امير المؤمنين هارون حافيا راجلا فهزأ بي من كان على الباب ؛ فاستؤذن لي ؛ فلما دخلت عليه و بصر بي على تلك الحالة قام و قعد ثم قام قائما و جعل يلطم وجهه و رأسه و يدعو بالويل و الحزن و يقول انتفع الرسول و خاب المرسل مالي و للدنيا و لملك يزول عني سريعا ثم القيت الكتاب منشورا كما دُفع الي فأقبل هارون يقرؤه و دموعه تنحدر من عينيه و يقرأ و يشهق فقال بعض جلسائه يا امير المؤمنين لقد اجترأ عليك سفيان فلو وجهت اليه فأثقلته بالحديد و ضيقيت عليه السجن و كنت تجعله عبرة لغيره فقال هارون اتركونا يا عبيد الدنيا المغرور من غررتموه و الشقي من اهلكتموه و ان سفيان أمة وحده فاتركوا سفيان و شأنه ثم لم يزل كتاب سفيان الى جنب هارون يقرؤه بعد كل صلاة حتى توفي رحمه الله .


لكن هذه القصة قيل عنها لا تصح لعدة امور اذكر منها عدم معاصرة هارون الرشيد لسفيان الثوري .اذ ان سفيان توفي قبل تولي هارون الرشيد للخلافة . 

                و الله وليُّ التوفيق 

لا تنسونا من صالح دعائكم 

تعليقات