القائمة الرئيسية

الصفحات

شرح سورة المجادلة من الأية ١٢ -٢٢

                 بسم الله الرحمن الرحيم    



يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خيرٌ لكم و أطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم  * ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا و تاب الله عليكم فأقيموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و أطيعوا الله ورسوله و الله خبير بما تعملون * ألم ترَ إلى الذين تولّوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم و لا منهم و يحلفون على الكذب و هم يعلمون * أعدّ الله لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون * اتخدوا أيمانهم جنةً فصدوا عن سبيل الله فلهم عذابٌ مهين * لن تغنيَ عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون * يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم و يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون * استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون * إن الذين يحادون الله و رسوله أولئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قويٌ عزيز * لا تجد قوماً يؤمنون بالله و اليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله و لو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم  أولئك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .



- ( يا أيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) أي : إذا أردتم مساررة الرسول صلى الله عليه و سلم في أمر من أموركم فقدموا قبل مساررتكم له صدقة ؛ تتصدقوا بها ؛ فلما أنزل الله هذه الأية انتهى أهل الباطل عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يقدموا بين يديهم نجواهم صدقة ؛ وشق ذلك على أهل الإيمان وامتنعوا عن النجوى لضعف كثير منهم عن الصدقة ؛ ثم خفف الله عنهم بالأية التي بعد هذه ( ذلك ) تقديم الصدقة بين يدي النجوى ( خير لكم وأطهر ) لما فيه من طاعة الله ( فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) يعني : من كان منهم لا يجد تلك الصدقة فلا حرج عليه في النجوى بدون صدقة .


- ( ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات ) أي: أخفتم الفقر والعيلة لأن تقدموا ذلك ؟ قال مقاتل : إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ ( فإذ لم تفعلوا ) ما أمرتم به من الصدقة بين يدي النجوى لثقلها عليكم ( وتاب الله عليكم ) بأن رخص لكم في الترك ( فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ) و المعنى : إذا وقع منكم التثاقل عن تقديم الصدقة بين يدي النجوى فاثبتوا على إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و طاعة الله و رسوله ( و الله خبير بما تعملون ) فهو مجازيكم .


- ( ألم ترَ إلى الذين تولوا قوماً ) أي : وَالوهم ؛ هم المنافقون تولوا اليهود ( غضب الله عليهم ) المغضوب عليهم : هم اليهود ( ما هم منكم ولا منهم ) كما قال الله فيهم ( مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء  ) ؛ و يحتمل أنهم اليهود ؛ أي يقول للمؤمنين : ليس اليهود منكم ولا من المنافقين ؛ فلماذا لا يتولاهم المنافقون ( ويحلفون على الكذب ) أي : يحلفون أنهم مسلمون ؛ أو يحلفون أنهم ما نقلوا الأخبار إلى اليهود ( و هم يعلمون ) أي : يعلمون بطلان ما حلفوا عليه ؛ و أنه كذب لا حقيقة له .


- ( أعد الله لهم عذاباً شديداً ) بسبب هذا التولي والحلف على الباطل ( إنهم ساء ما كانوا يعملون ) من الأعمال القبيحة .


- ( اتخذوا أيمانهم جنةً ) و هي ما كانوا يحلفون عليه من الكذب بأنهم من المسلمين ؛ توقّيا من القتل بالكفر ؛ فجعلوا هذه الأيمان وقاية وسترة دون دمائهم ؛ فآمنت ألسنتهم من خوف القتل ؛ و لم تؤمن قلوبهم ( فصدوا عن سبيل الله ) أي : منعوا الناس عن الاسلام بسبب ما يصدر عنهم من التثبيط ؛ و تهوين أمر المسلمين ؛ وتضعيف شوكتهم ( فلهم عذاب مهين ) أي : يهينهم ويخزيهم .


- ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ) أي : يحلفون لله يوم القيامة على الكذب ؛ كما يحلفون لكم في الدنيا فيقولون : والله ربنا ما فعلنا ذلك ؛ وهذا من شدة شقاوتهم ؛ فإن الحقائق يوم القيامة قد انكشفت ؛ و صارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة ؛ ( و يحسبون أنهم على شيء ) أي : يحسبون في الأخرة أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعا ؛ أو يدفع ضررا ؛ كما كانوا يحسبون ذلك في الدنيا ذلك .


- ( استحوذ عليهم الشيطان ) أي : غلب عليهم واستعلى وأحاط بهم ( فأنساهم ذكر الله ) أي : فتركوا أوامره و العمل بطاعاته ( أولئك حزب الشيطان ) أي : جنوده و أتباعه و رهطه ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) لأنهم باعوا الجنة بالنار ؛ و الهدى بالظلالة ؛ وكذبوا على الله وعلى نبيه ؛ فسوف يخسرون في الدنيا والآخرة . 


- ( الذين يحادون الله ورسوله ) تقدم معنى المحادة لله ولرسوله في أول هذه السورة ( أولئك في الأذلين ) من جملة من أذله الله من الأمم في الدنيا والأخرة .

( كتب الله لأغلبنّ أنا و رسلي ) أي : قضى في سابق علمه ؛ لأغلبنّ أنا ورسلي بالحجة والقدرة ( إن الله قوي عزيز ) قوي على نصر أوليائه ؛ غالب لأعدائه لا يغلبه أحد .


- (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله و رسوله ) يوادون : يحبون و يوالون من عادى الله ورسوله وشاقهما ( ولو كانوا ءابائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) أي : و لو كان المحادون لله و رسوله آباء الموادّين ..الخ ؛ فإن الإيمان يزجر عن ذلك ويمتنع منه ؛ و رعايته أقوى من رعاية الأبوّة والبنوّة والأخوّة والعشيرة ؛ ( أولئك )  يعني : الذين لا يوادّون من حاد ّ الله ورسوله ( كتب في قلوبهم الإيمان ) أثبته ؛ وقيل : جعله ؛ و قيل جمعه ( و أيدهم بروح منه ) أي : قوّاهم بنصر منه على عدوّهم في الدنيا ؛ وسمى نصره لهم روحاً لأن به يحيا أمرهم ( و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار  خالدين فيها ) على الأبد ( رضي الله عنهم ) أي : قبل أعمالهم و أفاض عليهم آثار رحمته العاجلة و الآجلة ( و رضوا عنه ) أي : فرحوا بما أعطاهم الله عاجلاً و آجلاً ( أولئك حزب الله ) أي : جنده الذين يمتثلون أوامره ؛ و يقاتلون أعداءه ؛ و ينصرون أولياءه ( ألا إن حزب الله هم المفلحون ) الفائزون بسعادة الدنيا و الآخرة ؛ أخرج ابن أبي حاتم و الطبراني و الحاكم : جعل والد أبي عبيدة بن الجراح يتقصد لأبي عبيدة يوم بدر و جعل أبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت هذه الآية .



                     و الله وليُّ التوفيق 

تعليقات