القائمة الرئيسية

الصفحات

شرح الناقض الثاني و هو من جعل بينه و بين الله وسائط

             بسم الله الرحمن الرحيم   

- شرح الناقض الثاني : من جعل بينه و بين الله وسائط : 

ذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - ان من جعل بينه و بين الله وسائط يدعوهم و يسألهم الشفاعة و يتوكل عليهم ؛ كفر إجماعاً 

ان المشركين يدعون ان معبوداتهم التي يعبدونها يسمونها وسائط فيقولون لابد لنا من واسطة يكون بيننا و بين الله يقربنا الى الله و يسبب قبول عباداتنا و يسبب نجاتنا من عذاب الله .

ذكر الله تعالى ( و ما نعبدهم إلا ليقربونا الى الله زلفى ) 

و كذلك قال الله تعالى ( و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) .

اي يجعلونهم شفعاء ؛ هذا هو غرضهم من دعاء غير الله ؛ 

ان هذا الناقض من اكثر النواقض و اعظمها خطرا على المرء ؛ لأن كثيرا ممن يتسمى بإسم الاسلام و هو لا يعرف الاسلام و لا حقيقته جعل بينه و بين الله وسائط يدعوهم لكشف الملمات و اغاثة اللهفات و تفريج الكربات ؛ و هؤلاء كفار بإجماع المسلمين ؛ لأن الله جل و علا ما انزل الكتب و ارسل الرسل إلا ليعبدوه وحده لا شريك له ؛ لكن أبى ذلك عباد القبور و جعلوا وسائط يسألونهم جلب المنافع و دفع المضار ؛ و جعلوا ذلك هو العبادة التي امر الله بها ؛ و من انكر عليهم شيئاً من ذلك رموه بعدم تعظيم الاولياء و الصالحين ؛ و هم بزعمهم الفاسد لا يسألون الله مباشرة تعظيماً منهم لله ؛ و يقولون ان الله لابد له من واسطة ؛ كما ان الملك لا يسأل الا بواسطة الحجاب ؛ و الله أولى بذلك من الملك .

فهم و العياذ بالله شبهوا الله بالمخلوق العاجز و من هذا الباب دخلوا حتى خرجوا من الاسلام ؛  و من الكتاب و السنة مما يبطل قولهم و يقطع دابرهم كثير ؛ و من تدبر القرآن طالباً للهدى و مؤثراً للحق تبين له ذلك و تبينت له غربة الدين و جهل كثير من الناس بدين رب العالمين ؛ فمن ذلك قوله تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات و لا في الارض و ما لهم فيهما من شرك و ما له منهم من ظهير ) و قال تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم و لا تحويلا ) و قال تعالى ( لا تدعو من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإ فعلت فإنك اذا لمن الظالمين ) ( و ان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو و ان يردك بخير فلا رادّ لفضله يصيب به من يشاء من عباده و هو الغفور الرحيم ) 

و في القرآن اكثر من ذلك مما يدل على وجوب اخلاص العبادة لله وحده ؛ و عدم جعل الوسائط بينه و بين خلقه ؛ و قد قال تعالى ( و اذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع اذا دعاني فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) ؛ كذلك النبي عليه الصلاة و السلام لما قيل له ما شاء الله و شئت ؛ قال : أجعلتني لله عدلاً ؟؟ ما شاء الله وحده ؛لأن الواو في قوله ( و شئت ) تقتضي المساواة و الله جل و علا تفرد بالألوهية ؛ فيجب ان يفرد بالعبودية ؛ و في الحديث الذي خرجه الترمذي و حسنه عن ابن عباس ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : احفظ الله يحفظك ؛ احفظ الله تجده تجاهك ؛ و اذا سألت فاسأل الله ؛ و اذا استعنت فاستعن بالله ؛ و اعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ؛ و ان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك ؛ رفعت الاقلام و جفت الصحف ) 

و قال شيخ الاسلام ابن تيمية - رحمه الله - : و مع علم المؤمن ان الله رب كل شيء و مليكه ؛ فإنه لا ينكر ما خلقه الله من الاسباب ؛ كما جعل المطر سببا لإنبات النبات قال تعالى ( و ما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها و بث فيها من كل دابة ) 

و كما جعل الشمس و القمر سببا لما يخلقه بهما ؛ و كما جعل الشفاعة و الدعاء سببا لما يقضيه بذلك ؛ مثل صلاة المسلمين على جنازة الميت ؛ فإن ذلك من الاسباب التي يرحمه الله بها و يثيب عليها المصلين عليه ؛ لكن ينبغي ان يعرف في الاسباب ثلاثة امور : 

اولا : ان سبب المعين لا يستقل بالمطلوب ؛ بل لابد معه من اسباب اخرى ؛ و مع هذا فلها موانع فإن لم يكمل الله الاسباب و يدفع الموانع لم يحصل المقصود ؛ و هو سبحانه ما شاء كان و ان لم يشأ الناس ؛ و ما شاء الناس لا يكون الا ان يشاء الله .

الثاني : انه لا يجوز ان يعتقد ان الشيء سبب الا بعلم ؛ فمن اثبت شيئا سببا بلا علم او يخالف الشرع كان مبطلا ؛ مثل من يظن ان النذر سبب في دفع البلاء و حصول النعماء ؛ و قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه نهى عن النذر ؛ و قال ( انه لا يأتي بخير و انما يستخرج به من البخيل ) .

الثالث : ان الاعمال الدينية لا يجوز ان يتخذ منها شيء سببا ؛ الا ان تكون مشروعة ؛ فإن العبادات مبناها على التوقيف ؛ فلا يجوز للانسان ان يشرك بالله فيدعو غيره ؛ و ان ظن ان ذلك سبب في حصول بعض اغراضه ؛ و لذلك لا يعبد الله بالبدع المخالفة للشريعة ؛ و ان ظن ذلك فإن الشياطين قد تعين الانسان على بعض مقاصده اذا اشرك ؛ و قد يحصل بالكفر و الفسوق و العصيان بعض اغراض الانسان فلا يحل له ذلك ؛ اذ المفسدة الحاصلة بذلك اعظم من المصلحة الحاصلة به ؛ اذ الرسول صلى الله عليه و سلم بعث بتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تعليلها ؛ فما امر الله به فمصلحته راجحة و ما نهى عنه فمفسدته راجحة .

          لا تنسونا من صالح دعائكم ؛ و الله وليّ التوفيق


تعليقات