القائمة الرئيسية

الصفحات

حكم تارك الصلاة جحوداً و تكاسلاً

              بسم الله الرحمن الرحيم 

حكم تارك الصلاة جحوداً و تكاسلاً : 

وهذه المسألة من المسائل الخلافية قديماً وحديثاًً ، ومسائل الخلاف لا بد للباحث فيها من ردها إلى الكتاب والسنة ، ثم الرجوع فيها إلى كلام علماء السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم لأنهم أصح فهماً وأقرب مستنداً ، وإليك كلام العلماء في هذه المسألة : 

حكم تارك الصلاة ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول : من ترك الصلاة جاحداً لوجوبها مع علمه به ، فقد أجمع العلماء على أن من جحد وجوب الصلاة أنه كافر كفر مخرج من الملة ، وأنه يقتل إن لم يتب ، قال ابن عبد البر: أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك .الاستذكار لابن عبد البر 2 / 149 .وقال ابن قدامة : تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحداً لوجوبها أو غير جاحد فإن كان جاحداً لوجوبها نظر فيه فإن كان جاهلاً به وهو ممن يجهل ذلك كالحديث بالإسلام والناشىء ببادية عرف وجوبها وعلم ذلك ولم يحكم بكفره لأنه معذور فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى لم يعذر ولم يقبل منه ادعاء الجهل وحكم بكفره لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة والمسلمون يفعلونها على الدوام فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله ولا يجحدها إلا تكذيباً لله تعالى ولرسوله وإجماع الأمة وهذا يصير مرتداً عن الإسلام وحكمه حكم سائر المرتدين في الاستتابة والقتل ولا أعلم في هذا خلافاً . المغني لابن قدامة 2 / 156

وأما القسم الثاني : حكم من ترك الصلاة تكاسلاً ، وهل يقتل بعد استتابته كفراً أم حداً ؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين : القول الأول : يقتل بعد استتابته كفراً لا حداً وهو مروى عن عمر بن الخطاب ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، وأبي الدرداء ، وبه قال إبراهيم النخعي ، والحكم بن عتيبة ، وعبد الله بن المبارك ، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي ،وحماد بن زيد ، ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه ، وهو المشهور عن أحمد ، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وابن حامد ، ورواية عن الشافعي ، وقول ابن حبيب من المالكية . المراجع : الحنبلية : المغني لابن قدامة 2/444، والمبدع لابن مفلح 1/305-307، والفروع 1/202، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله 1/191، والإنتصار 2/603 ، انظر: الاستذكار لابن عبد البر 2 / 149 ،المراجع الشافعية : المجموع للنووي 3/17-19، وروضة الطالبين 2/146. المراجع المالكية : مواهب الجليل للحطاب 1/420-421، والخرشي على خليل 1/227-228.القول الثاني: أنه يقتل بعد استتابته حداً لا كفراً وهو مذهب مالك ، وأبي حنيفة إلاَّ أنه قال: يسجن حتى يموت، والمشهور عن الشافعي قال النووي : وهو قول الأكثرون من السلف والخلف ، ورواية عن أحمد اختارها أبو عبد الله ابن بطة وابن قدامة المقدسي والمجد ابن تيمية وابن عبدوس . 

* حكم تارك الصلاة جحودا : 

أما ترك الصلاة إنكارًا لوجوبها، فقد اتفق العلماء على تكفير صاحبه دونما خلاف، فالله تعالى قال {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه من شيئًا، حتى يأتي بهن جميعًا، الصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت)، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم (من ترك الصلاة متعمدًا أحبط الله عمله، وبرئت منه ذمة الله حتى يراجع الله عز وجل توبة).وعن ابن عباس رضي الله عنهما "من ترك الصلاة فقد كفر"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه "من ترك الصلاة فلا دين له" وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "من لم يصل فهو كافر"، وهذا رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، فيما فصل النووي رحمه الله تعالى بقوله:"وأما تارك الصلاة فإن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام". أما الحنابلة فقالوا ان تارك الصلاة عمدًا من غير عذر يكفر، واحتجوا على قتله بقوله تعالى {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} وقوله صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم).وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)، على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكفر، وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو أنه مؤول إلى الكفر وإن فعله فعل الكفار، والله أعلم.(المرجع: الفقه على المذاهب الأربعة_ عبد الرحمن الجزيري جزاه الله خيرًا).

أجمع المسلمون على أن جاحد فرض الصلاة كافر يقتل إن لم يتب من كفره ذلك فروي عن علي وبن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كافر وعن عمر بن الخطاب لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وعن بن مسعود من لم يصل فلا دين له وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه واختلفوا في المقر بها وبفرضها التارك عمدا لعملها وهو على القيام بها قادر فروي عن علي وبن عباس وجابر وأبي الدرداء تكفير تارك الصلاة قالوا من لم يصل فهو كافر . وقال إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر وأبى من أدائها وقضائها وقال لا أصلي فهو كافر ودمه وماله حلالان إن لم يتب ويراجع الصلاة ويستتاب فإن تاب وإلا قتل ولا ترثه ورثته من المسلمين وحكم ماله حكم مال المرتد إذا قتل على ردته وبهذا قال أبو داود الطيالسي وأبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر بن أبي شيبة قال إسحاق هو رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا .

* القسم الثاني : من ترك الصلاة تكاسلاً :

وقال النووي في كتابه المجموع : فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف وقالت طائفة يكفر ويجري عليه أحكام المرتدين في كل شيء وهو مروي عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عن أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي واحتج لمن قال بكفره بحديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة رواه مسلم بهذا اللفظ وهكذا الرواية الشرك والكفر بالواو وفي غير مسلم الشرك أو الكفر وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله فمن تركها فقد كفر فليست في صحيح مسلم وغيره من الأصول وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر رواه الترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد واحتج لأبي حنيفة وموافقيه بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل دم امرىء مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزان والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة رواه البخاري ومسلم وهكذا الرواية الزان وهي لغة واللغة الفاشية الزاني بالياء وبالقياس عى ترك الصوم والزكاة والحج وسائر المعاصي واحتج أصحابنا على قتله بقول الله تعالى فاقتلوا المشركين إلى قوله تعالى فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم رواه البخاري ومسلم وبحديث نهيت عن قتل المصلين وبالقياس على كلمة التوحيد واحتجوا على أنه لا يكفر لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات افترضهن الله من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة وبالأحاديث الصحيحة العامة كقول صلى الله عليه وسلم من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة رواه مسلم وأشباهه كثيرة ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث جابر وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو وجوب القتل وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها والجواب عما احتج به أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه وقياسهم لا يقبل مع النصوص فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب فرع في الإشارة إلى بعض ما جاء في فضل الصلوات الخمس فمن ذلك ما ذكرناه في الفرع قبله وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا رواه البخاري ومسلم وعن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الصلوات الخمس كمثل نهر غمر على باب أحدكم يغسل منه كل يوم خمس مرات رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم يغش الكبائر رواه مسلم . المجموع للنووي 3 / 17- 19.

        والله وليّ التوفيق 
                                       لا تنسونا من صالح دعائكم

تعليقات